العاشر من شهر رمضان المُبارك رقم 2
إلا أن سلوك القوات الإسرائيلية في الساعات الأولى من الهجوم كان دليلاً عمليًّا على أنه أخذته المفاجأة التامة. وقد تضاربت أقوال العدو وأدلته وشهادات قادته بعد ذلك حول هذه النقطة تضاربًا شديدًا، ففي مرحلة ساد القول "بأنهم رأوا ولكنهم لم يفهموا"! وفي رأي آخر ساد القول "بأنهم رأوا وفهموا ولكنهم لم يصدقوا". وكأن ذلك يُصَدِّق قول الله تعالى:]وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُون[ صدق الله العظيم.
إن الحقيقية المؤكدة وراء ذلك التصور يرجع أيضًا إلى الدور المعنوي الذي تغلغل في عقول ووجدان ونفوس المقاتل الإسرائيلي سواء القادة أو الضباط وضباط الصف والجنود، وهو السبب الرئيسي وراء الهزيمة الساحقة في حرب أكتوبر 1973م رغم امتلاكهم كل عناصر التفوق في معادلة موازين القوى ليس فقط بينهم وبين القوة المسلحة لكل من مصر وسوريا، بل للقوات المسلحة العربية على إطلاقها.. ويمكن الحديث هنا عن عاملين رئيسين:
أولهما: الثقة الزائدة في النفس التي وصلت إلى حد الغرور:
فقد انتشرت وسادت وتأكدت مقولة "الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر"، حيث قال موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي في ديسمبر عام 1969م: "لن تنال عمليات العبور المصرية – إن حدثت - من قبضة إسرائيل المحكمة على خط بارليف؛ لأن الاستحكامات الإسرائيلية على الخط أشد منعة وأكثر تنظيمًا.. ويمكن القول بأنه خط منيع يستحيل اختراقه، وإننا الأقوياء إلى حد نستطيع معه الاحتفاظ به إلى الأبد".
وفي مناسبة أخرى قال: "إن خطوطنا المنيعة أصبحت الصخرة التي سوف تتحطم عليها عظام المصريين، وإذا حاولت مصر عبور القناة فسوف تتم إبادة ما بقي من قواتها".
وقال رئيس الأركان دافيد إليعازر: "إن خط بارليف سيكون مقبرة للجيش المصري". وفي 10 أغسطس 1973م تحدث ديّان في كلية الأركان وقال: "إن ميزان القوى في صفنا إلى حد كبير لدرجة أنه يقضي على تفكير العرب ودوافعهم لتجديد أعمال عدوانية فورية".
ثانيهما: عدم الثقة في قدرة المقاتل العربي على التخطيط وإدارة عمليات ناجحة:
ولعل أكثر ما يؤكد ذلك أنه في يومي 4،5 أكتوبر 1973م أي قبل بدء العمليات الهجومية بساعات محدودة عرف الإسرائيليون أن الأسر السوفييتية يتم ترحيلها جوًّا من القاهرة ودمشق إلى روسيا، ومنهم عدد من المستشارين المدنيين، إلا أنه بوصول تلك المعلومات إلى رئيس الأركان الإسرائيلي، طمأنه مدير المخابرات الإسرائيلية بأن ذلك لا يعني شيئًا غير عادي.
ومع تزايد حجم التحركات للقوات المصرية، انتهت القيادة العسكرية الإسرائيلية - بالتعاون مع جهاز المخابرات الأمريكي - إلى تحليل لتلك المعلومات أفاد "أن توزيع القوات المصرية في الضفة الغربية للقناة يدل على أن المصريين يُعِدُّون أنفسهم لمهام دفاعية فقط"! وحتى صباح السادس من أكتوبر كانت هيئة الأركان الإسرائيلية ترى "أن ذلك اليوم سيمر دون أن يحدث شيء"!!
الخلاصة:
لقد أكدت حرب أكتوبر 1973م دور الجانب المعنوي وأهميته المطلقة في تحقيق النصر في المعارك الحربية، وأن إرادة القتال المرتكزة على هذا العامل يمكن أن تواجه وتنتصر على قوات متفوقة كمًّا وكيفًا.. ولعل دروس التاريخ تؤكد تلك الحقيقية؛ فقد استطاع المقاتل في فيتنام هزيمة أقوى قوة عسكرية في العالم، واستطاع المقاتل في اليابان أن يفرض على الولايات المتحدة استخدام القنبلة الذرية في هيروشيما وناجازاكي؛ لتحسم الحرب لصالحها بعد أن كان النصر مؤكدًا لصالح اليابان.
ولعل ما تم في الجنوب اللبناني وما قامت به المقاومة اللبنانية مؤخرًا ما فرض الانسحاب الإسرائيلي المخزي من جنوب لبنان، كما أن دور المقاومة الفلسطينية وانتفاضتها كانت الدافع الرئيس لاعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية وسعيها لعقد اتفاق معها. وعلى ذكرى حرب أكتوبر 1973م فلنا أن نرصد عوامل القصور في استعداد القوات المسلحة الإسرائيلية بكل ما لديها من أسلحة تقليدية وفوق تقليدية ونووية والتي أدت إلى هزيمتها، إنما يرجع إلى العديد من العوامل لعل أهمها:
أولاً: عدم التقدير السليم بكفاءة المخطط الإستراتيجي المصري والسوري على استخدام قوات مسلحة تعاني كل ذلك القصور، سواء في التسليح أو الكفاءة الفنية (كفاءة السلاح)، خاصة بعد قطع مصر لعلاقاتها مع الاتحاد السوفييتي المورد الرئيسي للسلاح والذخائر لها.
ثانيًا: عدم الثقة في قدرة القوات المسلحة المصرية والسورية على تخطي المصاعب والعراقيل التي تعترض القوات المهاجمة من موانع طبيعية أو صناعية أو تحصينات ميدانية، أو وسائل إنذار وأجهزة نقل المعلومات سواء من عناصر إلكترونية أو أقمار صناعية.
ثالثًا: عدم تصور إمكان تنسيق بين دولتين عربيتين لاستخدام قواتهما المسلحة في تخطيط مشترك ناجح للهجوم على إسرائيل من جبهتين في وقت واحد.
رابعًا: عدم تصور إمكان تحقيق تضامن عربي فعَّال يمكن أن يحشد كل الطاقات العربية وراء القوات المسلحة المصرية والسورية سواء منها الاقتصادية والتي تمثلت في استخدام البترول كسلاح في المعركة، أو تقديم كل الدعم العسكري اللازم من معظم الدول العربية لصالح المعركة، وذلك باعتبار أن العقيدة الإسرائيلية كانت تراهن دائمًا على تفكيك وتجزئة الأمة العربية من ناحية، وعدم قدرة العرب على تجميع قدراتهم الحقيقية من ناحية أخرى.
تلك كانت أهم العوامل التي استغلتها القيادة السياسية والعسكرية ببراعة تامة من خلال إعداد معنوي مخطط ومتقن ومدروس مهد الطريق لنصر أكتوبر العظيم.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
إلا أن سلوك القوات الإسرائيلية في الساعات الأولى من الهجوم كان دليلاً عمليًّا على أنه أخذته المفاجأة التامة. وقد تضاربت أقوال العدو وأدلته وشهادات قادته بعد ذلك حول هذه النقطة تضاربًا شديدًا، ففي مرحلة ساد القول "بأنهم رأوا ولكنهم لم يفهموا"! وفي رأي آخر ساد القول "بأنهم رأوا وفهموا ولكنهم لم يصدقوا". وكأن ذلك يُصَدِّق قول الله تعالى:]وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُون[ صدق الله العظيم.
إن الحقيقية المؤكدة وراء ذلك التصور يرجع أيضًا إلى الدور المعنوي الذي تغلغل في عقول ووجدان ونفوس المقاتل الإسرائيلي سواء القادة أو الضباط وضباط الصف والجنود، وهو السبب الرئيسي وراء الهزيمة الساحقة في حرب أكتوبر 1973م رغم امتلاكهم كل عناصر التفوق في معادلة موازين القوى ليس فقط بينهم وبين القوة المسلحة لكل من مصر وسوريا، بل للقوات المسلحة العربية على إطلاقها.. ويمكن الحديث هنا عن عاملين رئيسين:
أولهما: الثقة الزائدة في النفس التي وصلت إلى حد الغرور:
فقد انتشرت وسادت وتأكدت مقولة "الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر"، حيث قال موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي في ديسمبر عام 1969م: "لن تنال عمليات العبور المصرية – إن حدثت - من قبضة إسرائيل المحكمة على خط بارليف؛ لأن الاستحكامات الإسرائيلية على الخط أشد منعة وأكثر تنظيمًا.. ويمكن القول بأنه خط منيع يستحيل اختراقه، وإننا الأقوياء إلى حد نستطيع معه الاحتفاظ به إلى الأبد".
وفي مناسبة أخرى قال: "إن خطوطنا المنيعة أصبحت الصخرة التي سوف تتحطم عليها عظام المصريين، وإذا حاولت مصر عبور القناة فسوف تتم إبادة ما بقي من قواتها".
وقال رئيس الأركان دافيد إليعازر: "إن خط بارليف سيكون مقبرة للجيش المصري". وفي 10 أغسطس 1973م تحدث ديّان في كلية الأركان وقال: "إن ميزان القوى في صفنا إلى حد كبير لدرجة أنه يقضي على تفكير العرب ودوافعهم لتجديد أعمال عدوانية فورية".
ثانيهما: عدم الثقة في قدرة المقاتل العربي على التخطيط وإدارة عمليات ناجحة:
ولعل أكثر ما يؤكد ذلك أنه في يومي 4،5 أكتوبر 1973م أي قبل بدء العمليات الهجومية بساعات محدودة عرف الإسرائيليون أن الأسر السوفييتية يتم ترحيلها جوًّا من القاهرة ودمشق إلى روسيا، ومنهم عدد من المستشارين المدنيين، إلا أنه بوصول تلك المعلومات إلى رئيس الأركان الإسرائيلي، طمأنه مدير المخابرات الإسرائيلية بأن ذلك لا يعني شيئًا غير عادي.
ومع تزايد حجم التحركات للقوات المصرية، انتهت القيادة العسكرية الإسرائيلية - بالتعاون مع جهاز المخابرات الأمريكي - إلى تحليل لتلك المعلومات أفاد "أن توزيع القوات المصرية في الضفة الغربية للقناة يدل على أن المصريين يُعِدُّون أنفسهم لمهام دفاعية فقط"! وحتى صباح السادس من أكتوبر كانت هيئة الأركان الإسرائيلية ترى "أن ذلك اليوم سيمر دون أن يحدث شيء"!!
الخلاصة:
لقد أكدت حرب أكتوبر 1973م دور الجانب المعنوي وأهميته المطلقة في تحقيق النصر في المعارك الحربية، وأن إرادة القتال المرتكزة على هذا العامل يمكن أن تواجه وتنتصر على قوات متفوقة كمًّا وكيفًا.. ولعل دروس التاريخ تؤكد تلك الحقيقية؛ فقد استطاع المقاتل في فيتنام هزيمة أقوى قوة عسكرية في العالم، واستطاع المقاتل في اليابان أن يفرض على الولايات المتحدة استخدام القنبلة الذرية في هيروشيما وناجازاكي؛ لتحسم الحرب لصالحها بعد أن كان النصر مؤكدًا لصالح اليابان.
ولعل ما تم في الجنوب اللبناني وما قامت به المقاومة اللبنانية مؤخرًا ما فرض الانسحاب الإسرائيلي المخزي من جنوب لبنان، كما أن دور المقاومة الفلسطينية وانتفاضتها كانت الدافع الرئيس لاعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية وسعيها لعقد اتفاق معها. وعلى ذكرى حرب أكتوبر 1973م فلنا أن نرصد عوامل القصور في استعداد القوات المسلحة الإسرائيلية بكل ما لديها من أسلحة تقليدية وفوق تقليدية ونووية والتي أدت إلى هزيمتها، إنما يرجع إلى العديد من العوامل لعل أهمها:
أولاً: عدم التقدير السليم بكفاءة المخطط الإستراتيجي المصري والسوري على استخدام قوات مسلحة تعاني كل ذلك القصور، سواء في التسليح أو الكفاءة الفنية (كفاءة السلاح)، خاصة بعد قطع مصر لعلاقاتها مع الاتحاد السوفييتي المورد الرئيسي للسلاح والذخائر لها.
ثانيًا: عدم الثقة في قدرة القوات المسلحة المصرية والسورية على تخطي المصاعب والعراقيل التي تعترض القوات المهاجمة من موانع طبيعية أو صناعية أو تحصينات ميدانية، أو وسائل إنذار وأجهزة نقل المعلومات سواء من عناصر إلكترونية أو أقمار صناعية.
ثالثًا: عدم تصور إمكان تنسيق بين دولتين عربيتين لاستخدام قواتهما المسلحة في تخطيط مشترك ناجح للهجوم على إسرائيل من جبهتين في وقت واحد.
رابعًا: عدم تصور إمكان تحقيق تضامن عربي فعَّال يمكن أن يحشد كل الطاقات العربية وراء القوات المسلحة المصرية والسورية سواء منها الاقتصادية والتي تمثلت في استخدام البترول كسلاح في المعركة، أو تقديم كل الدعم العسكري اللازم من معظم الدول العربية لصالح المعركة، وذلك باعتبار أن العقيدة الإسرائيلية كانت تراهن دائمًا على تفكيك وتجزئة الأمة العربية من ناحية، وعدم قدرة العرب على تجميع قدراتهم الحقيقية من ناحية أخرى.
تلك كانت أهم العوامل التي استغلتها القيادة السياسية والعسكرية ببراعة تامة من خلال إعداد معنوي مخطط ومتقن ومدروس مهد الطريق لنصر أكتوبر العظيم.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الإثنين سبتمبر 02, 2024 11:15 pm من طرف yahiaz_01
» جميع مذكرات السنة الاولى 1 ابتدائي في التربية العلمية 2022 / 2023
السبت نوفمبر 05, 2022 4:12 pm من طرف yahia_01
» مذكرات السنة الاولى ابتدائي مادة التربية الاسلامية 2022 / 2023
الجمعة نوفمبر 04, 2022 11:18 pm من طرف yahia_01
» جميع مذكرات السن ة الاولى ابتدائي في التربية المدنية الجيل الثاني 2022 / 2023
الجمعة نوفمبر 04, 2022 11:16 pm من طرف yahia_01
» جميع مذكرات السنة الاولى ابتدائي مادة الرياضيات الجيل الثاني 2022 / 2023
الجمعة نوفمبر 04, 2022 11:15 pm من طرف yahia_01
» مذكرات السنة الاولى ابتدائي مادة اللغة العربية الجيل الثاني 2022 / 2023 الجزء الثاني
الجمعة نوفمبر 04, 2022 11:13 pm من طرف yahia_01
» مذكرات السنة الاولى ابتدائي مادة اللغة العربية الجيل الثاني 2022 / 2023
الجمعة نوفمبر 04, 2022 11:08 pm من طرف yahia_01
» مذكرات الاجتماعيات للسنة الخامسة ابتدائي كاملة
الخميس سبتمبر 08, 2022 12:42 pm من طرف yahia_01
» مذكرات اللغة العربية للسنة الخامسةو ابتدائي كاملة لكل مقطع
الخميس سبتمبر 08, 2022 12:40 pm من طرف yahia_01